اسرار الحروف (1 )
الـــــــــــــــــــحروف في ( الفتــــوحات الأول ) !!!!!
العلم المكنون ويحويه فأول سطر قرأته وأول سر من ذلك السطر علمته ما أذكره الآن في هذا الباب الثاني والله سبحانه يهدي إلى العلم وإلى طريق مستقيم.
الباب الثاني
في معرفة مراتب الحروف والحركات من العالم
وما لها من الأسماء الحسنى ومعرفة الكلمات ومعرفة العلم والعالم والمعلوم
اعلم أن هذا الباب على ثلاثة فصول "الفصل الأول في معرفة الحروف" "الفصل الثاني في معرفة الحركات التي تتميز بها الكلمات "الفصل الثالث في معرفة العلم والعالم والمعلوم"
الفصل الأول
في معرفة الحروف ومراتبها والحركات
وهي الحروف الصغار وما لها من الأسماء الإلهية
إن الحـروف أئمة الألـفـاظ شهدت بذلك ألسن الـحـفـاظ
دارت بها الأفلاك في ملكوتـه بين النيام الخـرس والأيقـاظ
ألحظتها الأسماء من مكنونهـا فبدت تعز لذلـك الألـحـاظ
وتقول لولا فيض جودي ما بدت عند الكلام حقـائق الألـفـاظ
اعلم أيدنا الله وإياك أنه لما كان الوجود مطلقاً من غير تقييد يتضمن المكلف وهو الحق تعالى والمكلفين وهم العالم والحروف جامعة لما ذكرنا أردنا أن نبين مقام المكلف من هذه الحروف من المكلفين من وجه دقيق محقق لا يتبدل عند أهل الكشف إذا وقفوا عليه وهو مستخرج من البسائط التي عنها تركبت هذه الحروف التي تسمى حروف المعجم بالاصطلاح العربي في أسمائها وإنما سميت حروف المعجم لأنها عجمت على الناظر فيها معناها ولما كوشفنا على بسائط الحروف وجدناها على أربع مراتب "حروف" مرتبتها سبعة أفلاك وهي الألف والزاي واللام "وحروف" مرتبتها ثمانية أفلاك وهي النون والصاد والضاد "وحروف" مرتبتها تسعة أفلاك وهي العين والغين والسين والشين "وحروف" مرتبتها عشرة أفلاك وهي باقي حروف المعجم وذلك ثمانية عشر حرفاً كل حرف منها مركب عن عشرة كما أن كل حرف من تلك الحروف منها ما هو عن تسعة أفلاك وعن ثمانية وعن سبعة لا غير كما ذكرناه فعدد الأفلاك التي عنها وجدت هذه الحروف وهي البسائط التي ذكرناها مائتان وأحد وستون فلكاً أما المرتبة السبعية فالزاي واللام منها دون الألف فطبعها الحرارة واليبوسة "وأما" الألف فطبعها الحرارة والرطوبة واليبوسة والبرودة ترجع مع الحار حارة ومع الرطب رطبة ومع البارد باردة ومع اليابس يابسة على حسب ما تجاوره من العوالم "وأما" المرتبة الثمانية فحروفها حارة يابسة.
"وأما" المرتبة التسعية فالعين والغين طبعهما البرودة واليبوسة "وأما" السين والشين فطبعهما الحرارة واليبوسة "وأما" المرتبة العشرية فحروفها حارة يابسة إلا الحاء المهملة والخاء المعجمة فإنهما باردتان يابستان وإلا الهاء والهمزة فإنهما باردتان رطبتان فعدد الأفلاك التي عن حركتها توجد الحرارة مائتا فلك وثلاثة أفلاك وعدد الأفلاك التي عن حركتها توجد اليبوسة مائتا فلك وأحد وأربعون فلكاً وعدد الأفلاك التي عن حركتها توجد البرودة خمسة وستون فلكاً وعدد الأفلاك التي عن حركتها توجد الرطوبة سبعة وعشرون فلكاً مع التوالج والتداخل الذي فيها على حسب ما ذكرناه آنفاً فسبعة أفلاك توجد عن حركتها العناصر الأول الأربعة وعنها يوجد حرف الألف خاصة ومائة وستة وتسعون فلكاً توجد عن حركتها الحرارة واليبوسة خاصة لا يوجد عنها غيرهما البتة وعن هذه الأفلاك يوجد حرف الباء والجيم والدال والواو والزاي والطاء والياء والكاف واللام والميم والنون والصاد والفاء والضاد والقاف والراء والسين والتاء والثاء والذال والظاء والشين وثمانية وثمانون فلكاً يوجد عن حركتها البرودة واليبوسة خاصة وعن هذه الأفلاك يوجد حرف العين والحاء والغين والخاء وعشرون فلكاً توجد عن حركتها البرودة والرطوبة خاصة وعن هذه الأفلاك يوجد حرف الهاء والهمزة وأما لام ألف فممتزج من السبعة والمائة والستة والتسعين إذا كان مثل قوله لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون فإن كان مثل قوله تعالى "لأنتم أشد رهبة" فامتزاجه من المائة والستة والتسعين ومن العشرين وليس في العالم فلك يوجد عنه الحرارة والرطوبة خاصة دون غيرهما فإذا نظرت في طبع الهواء عثرت على الحكمة التي منعت أن يكون له فلك مخصوص كما أنه ما ثم فلك يوجد عنه واحد من هذه العناصر الأول على انفراد فالهاء والهمزة يدور بهما الفلك الرابع ويقطع الفلك الأقصى في تسعة آلاف سنة وأما الحاء والخاء والعين والغين فيدور بها الفلك الثاني ويقطع الفلك الأقصى في إحدى عشرة ألف سنة وباقي الحروف يدور بها الفلك الأول ويقطع الفلك الأقصى في اثنتي عشرة ألف سنة وهو على منازل في أفلاكها فمنها ما هو على سطح الفلك ومنها ما هو في مقعر الفلك ومنها ما هو بينهما ولولا التطويل لبينا منازلها وحقائقها ولكن سنلقى من ذلك ما يشفي في الباب الستين من أبواب هذا الكتاب إن ألهمنا الحق ذلك عند كلامنا في معرفة العناصر وسلطان العالم العلوي على العالم السفلي وفي أي دورة كان وجود هذا العالم الذي نحن فيه الآن من دورات الفلك الأقصى وأي روحانية تنظرنا فلنقبص العنان حتى نصل إلى موضعه أو يصل موضعه إن شاء الله.
فلنرجع ونقول" إن المرتبة السبعية التي لها الزاي والألف واللام جعلتاها للحضرة الإلهية المكلفة أي تصيبها من الحروف وإن المرتبة الثمانية التي هي النون والصاد والضاد جعلناها حظ الإنسان من عالم الحروف وإن المرتبة التسعية التي هي العين والغين والسين والشين جعلناها حظ الجن من عالم الحروف وإن المرتبة العشرية وهي المرتبة الثانية من المراتب الأربعة التي هي باقي الحروف جعلناها حظ الملائكة من عالم الحروف وإنما جعلنا هذه الموجودات الأربعة لهذه الأربع مراتب من الحروف على هذا التقسيم لحقائق عسرة المدرك يحتاج ذكرها وبيانها إلى ديوان بنفسه ولكن قد ذكرناه حتى نتمه في كتاب المبادي والغايات فيما تحوي عليه حروف المعجم من العجائب والآيات وهو بين أيدينا ما كمل ولا قيد منه إلا أوراق متفرقة يسيرة ولكن سأذكر منه في هذا الباب لمحة بارق إن شاء الله فحصلت الأربعة للجن الناري لحقائق هم عليها وهي التي أدتهم لقولهم فيما أخبر الحق تعالى عنهم "ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم" وفرغت حقائقهم ولم تبق لهم حقيقة خامسة يطلبون بها مرتبة زائدة وإياك أن تعتقد أن ذلك جائز لهم وهو أن يكون لهم العلو وما يقابله اللذان تتم بهما الجهات الستة فإن الحقيقة تأبى ذلك على ما قررناه في كتاب المبادي والغايات وبينا فيه لم اختصوا بالعين والغين والسين والشين دون غيرها من الحروف والمناسبة التي بين هذه الحروف وبينهم وأنهم موجودون عن الأفلاك التي عنها وجدت هذه الحروف وحصل للحضرة الإلهية من هذه الحروف ثلاثة لحقائق هي عليها أيضاً وهي الذات والصفة والرابط بين الذات والصفة وهي القبول أي بها كان القبول لأن الصفة لها تعلق بالموصوف بها وبمتعلقها الحقيقي لها كالعلم بربط نفسه بالعالم به وبالمعلوم والإرادة تربط نفسها بالمريد بها وبالمراد لها والقدرة تربط نفسها بالقادر بها وبالمقدور لها وكذلك جميع الأوصاف والأسماء وإن كانت نسباً وكانت الحروف التي اختصت بها الألف والزاي واللام تدل على معنى نفي الأولية وهو الأزل وبسائط هذه الحروف واحدة في العدد فما أعجب الحقائق لمن وقف عليها فإنه يتنزه فيما يجهله الغير وتضيق صدور الجهلاء به وقد تكلمنا أيضاً في المناسبة الجامعة بين هذه الحروف وبين الحضرة الإلهية في الكتاب المذكور وكذلك حصل للحضرة الإنسانية من هذه الحروف ثلاثة أيضاً كما حصل للحضرة الإلهية فاتفقا في العدد غير أنها حرف النون والصاد والضاد ففارقت الحضرة الإلهية من جهة موادها فإن العبودية لا تشرك الربوبية في الحقائق التي بها يكون إلهاً كما أن بحقائقه يكون العبد مألوهاً وبما هو على الصورة اختص بثلاثة كهو فلو وقع الاشتراك في الحقائق لكان إلهاً واحداً أو عبداً واحداً أعنى عيناً واحدة وهذا لا يصح فلا بد أن تكون الحقائق متباينة ولو نسبت إلى عين واحدة ولهذا باينهم بقدمه كما باينوه بحدوثهم ولم يقل باينهم بعلمه كما باينوه بعلمهم فإن فلك العلم واحد قديماً في القديم محدثاً في المحدث واجتمعت الحضرتان في أن كل واحدة منهما معقولة من ثلاث حقائق ذات وصفة ورابطة بين الصفة والموصوف بها غير أن العبد له ثلاثة أحوال حالة مع نفسه لا غير وهو الوقت الذي يكون فيه نائم القلب عن كل شيء وحالة مع الله وحالة مع العالم والباري سبحانه مباين لنا فيما ذكرناه فإن له حالين حال من أجله وحال من أجل خلقه وليس فوقه موجود فيكون له تعالى وصف تعلق به فهذا بحر آخر لو خضنا فيه لجاءت أمور لا يطاق سماعها وقد ذكرنا المناسبة التي بين النون والصاد والضاد التي للإنسان وبين الألف والزاي واللام التي هي للحضرة الإلهية في كتاب المبادي والغايات وإن كانت حروف الحضرة الإلهية عن سبعة أفلاك والإنسانية عن ثمانية أفلاك فإن هذا لا يقدح في المناسبة لتبين الإله والمألوه ثم إنه في نفس النون الرقمية التي هي شطر الفلك من العجائب ما لا يقدر على سماعها إلا من شد عليه مئزر التسليم وتحقق بروح الموت الذي لا يتصور ممن قام به اعتراض ولا تطلع وكذلك في نفس نقطة النون أول دلالة النون الروحانية المعقولة فوق شكل النون السفلية التي هي النصف من الدائرة والنقطة الموصولة بالنون المرقومة الموضوعة أول الشكل التي هي مركز الألف المعقولة التي بها يتميز قطر الدائرة
ثم له ظاهر وهو باطن عالم الجبروت وله باطن وهو السابع وما ثم غير هذا وهذه صورة السبعية والتسعية فنأخذ الثلاثة وتضربها في السبعة فيكون الخارج أحداً وعشرين فتخرج الثلاثة الإنسانية فتبقى ثمانية عشر وهو مقام الملك وهي الأفلاك التي منها يتلقى الإنسان الموارد وكذلك تفعل بالثلاثة الحقية تضربها أيضاً في السبعة فتكون عند ذلك الأفلاك التي منها يتلقى الإنسان الموارد وكذلك تفعل بالثلاثة الحقية تضربها أيضاً في السبعة فتكون عند ذلك الأفلاك التي منها يلقى الحق على عبده ما يشاء من الواردات فإن أخذناها من جانب الحق قلنا أفلاك الإلقاء وإن أخذناها من جانب الإنسان قلنا أفلاك التلقي وإن أخذناها منهما معاً جعلنا تسعة الحق للإلقاء والأخرى للتلقي وباجتماعهما حدث لتلك ولهذا أوجد الحق تسعة أفلاك السموات السبع والكرسي والعرش وإن شئت قلت فلك الكواكب والفلك الأطلس وهو الصحيح "تتميم" منعنا في أول هذا الفصل أن يكون للحرارة والرطوبة فلك ولم نذكر السبب فلنذكر منه طرفاً في هذا الباب حتى نستوفيه في داخل الكتاب إن شاء الله تعالى وسأذكر في هذا الباب بعد هذا التتميم ما يكون من الحروف حاراً رطباً وذلك لأنه دار به فلك غير الفلك الذي ذكرناه في أول الباب فاعلم أن الحرارة والرطوبة هي الحياة الطبيعية فلو كان لها فلك كما لأخواتها في المزجة لانقضت دورة ذلك الفلك وزال سلطانه كما يظهر في الحياة العرضية وكانت تنعدم أو تنتقل وحقيقتها تنقضي بأن لا تنعدم فليس لها فلك ولهذا أنبأنا الباري تعالى إن الدار الآخرة هي الحيوان وإن كل شيء يسبح بحمده فصار فلك الحياة الأبدية الحياة الأزلية تمدها وليس لها فلك فتنقضي دورته فالحياة الأزلية ذاتية للحي لا يصح لها انقضاء فالحياة الأبدية المعلولة بالحياة الأزلية لا يصح لها انقضاء ألا ترى الأرواح لما كانت حياتها ذاتية لها لم يصح فيها موت البتة ولما كانت الحياة في الأجسام بالعرض قام بها الموت والفناء فإن حياة الجسم الظاهرة من آثار حياة الروح كنور الشمس الذي في الأرض من الشمس فإذا مضت الشمس تبعها نورها وبقيت الأرض مظلمة كذلك الروح إذا رحل عن الجسم إلى عالمه الذي جاء منه تبعته الحياة المنتشرة منه في الجسم الحي وبقي الجسم في صورة الجماد في رأي العين فيقال مات فلان وتقول الحقيقة رجع إلى أصله "منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى" كما رجع أيضاً الروح إلى أصله حتى البعث والنشور يكون من الروح تجل للجسم بطريق العشق فتلتئم أجزاؤه وتتركب أعضاؤه بحياة لطيفة جداً تحرك الأعضاء للتأليف اكتسبته من التفات الروح فإذا استوت البنية وقامت النشأة الترابية تجلى له الروح بالرقيقة الإسرافيلية في الصور المحيط فتسري الحياة في أعضائه فيقوم شخصاً سوياً كما كان أول مرة ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأشرقت الأرض بنور ربها كما بدأكم تعودون قل يحييها الذي أنشأها أول مرة فإما شقي وإما سعيد.
وصل" فإن الحقائق على قسمين حقائق توجد مفردات في العقل كالحياة والعلم والنطق والحس وحقائق توجد بوجود التركيب كالسماء والعالم والإنسان والحجر فإن قلت فما السبب الذي جمع هذه الأمهات المتنافرة حتى ظهر من امتزاجها ما ظهر فهنا سر عجيب ومركب صعب يحرم كشفه لأنه لا يطاق حمله لأن العقل لا يعقله ولكن الكشف يشهده فلنسكت عنه وربما نشير إليه من بعيد في مواضع من كتابي هذا يتفطن إليه الباحث اللبيب ولكن أقول أراد المختار سبحانه أن يؤلفها لما سبق في علمه خلق العالم وأنها أصل أكثره أو أصله إن شئت فألفها ولم تكن موجودة في أعيانها ولكن أوجدها مؤلفة لم يوجدها مفردة ثم جمعها فإن حقائقها تأبى ذلك فأوجد الصورة التي هي عبارة عن تأليف حقيقتين من هذه الحقائق فصارت كأنها كانت موجودة متفرقة ثم ألفت فظهرت للتأليف حقيقة لم تكن في وقت الافتراق فالحقائق تعطي إن هذه الأمهات لم يكن لها وجود في عينها البتة قبل وجود الصور المركبة عنها فلما أوجد هذه الصور التي هي الماء والنار والهواء والأرض وجعلها سبحانه يستحيل بعضها إلى بعض فيعود النار هواء والهواء ناراً كما تقلب التاء طاء والسين صاداً لأن الفلك الذي وجدت عنه الأمهات الأول عنها وجدت هذه الحروف فالفلك الذي وجد عنه الأرض وجد عنه حرف الثاء والتاء وما عدا رأس الجيم ونصف تعريقة اللام ورأس الخاء وثلثا الهاء والدال اليابسة والنون والميم والفلك الذي وجد عنه الماء وجد عنه حرف الشين والغين والطاء والحاء والضاد ورأس الباء بالنقطة الواحدة ومدة جسد الفاء دون رأسها ورأس القاف وشيء من تعريقه ونصف دائرة الظاء المعجمة الأسفل والفلك الذي وجد عنه الهواء وجد عنه طرف الهاء الأخير الذي يعقد دائرتها ورأس الفاء وتعريق الخاء على حكم نصف الدائرة ونصف دائرة الظاء المعجمة الأعلى مع قائمته وحرف الذال والعين والزاي والصاد والواو والفلك الذي وجد عنه النار وجد عنه حرف الهمزة والكاف والباء والسين والراء ورأس الجيم وجسد الياء باثنتين من أسفل دون رأسها ووسط اللام وجسد القاف دون رأسه وعن حقيقة الألف صدرت هذه الحروف كلها وهو فلكها روحاً وحساً وكذلك ثم موجود خامس هو أصل لهذه الأركان وفي هذا خلاف بين أصحاب علم الطبائع عن النظر ذكره الحكيم في الإسطقسات ولم يأت فيه بشيء يقف الناظر عنده ولم نعرف هذا من حيث قراءتي علم الطبائع على أهله وإنما دخل به علي صاحب لي وهو في يده وكان يشتغل بتحصيل علم الطب فسألني أن أمشيه له من جهة علمنا بهذه الأشياء من جهة الكشف لا من جهة القراءة والنظر فقرأه علينا فوقفت منه على هذا الخلاف الذي أشرت إليه فمن هناك علمته ولولا ذلك ما عرفت هل خالف فيه أحد أم لا فإنه ما عندنا فيه إلا الشيء الحق الذي هو عليه وما عندنا خلاف فإن الحق تعالى الذي نأخذ العلوم عنه بخلو القلب عن الفكر والاستعداد لقبول الواردات هو الذي يعطينا الأمر على أصله من غير إجمال ولا حيرة فنعرف الحقائق على ما هي عليه سواء كانت المفردات أو الحادثة بحدوث التأليف أو الحقائق الإلهية لا تمتري في شيء منها فمن هناك هو علمنا والحق سبحانه معلمنا ورثا نبويا محفوظا معصوما من الخلل والإجمال والظاهر قال تعالى "وما علمناه الشعر وما ينبغي له" فإن الشعر محل الإجمال والرموز والألغاز والتورية أي ما رمزنا له شيأ ولا لغزناه ولا خاطبناه بشيء ونحن نريد شيأ آخر ولا أجملنا له الخطاب إن هو إلا ذكر لما شاهده حين جذبناه وغيبناه عنه وأحضرناه بنا عندنا فكنا سمعه وبصره ثم رددناه إليكم لتهتدوا به في ظلمات الجهل والكون فكنا لسانه الذي يخاطبكم به ثم أنزلنا عليه مذكراً يذكره بما شاهده فهو ذكر له لذلك وقرآن أي جمع أشياء كان شاهدها عندنا مبين ظاهر له لعلمه بأصل ما شاهده وعاينه في ذلك التقريب إلا نزه إلا قدس الذي ماله منه صلى الله عليه وسلم ولنا منه من الحظ على قدر صفاء المحل والتهيء والتقوى فمن علم أن الطبائع والعالم المركب منها في غاية الافتقار والاحتياج إلى الله تعالى في وجود أعيانها وتأليفها علم أن السبب هو حقائق الحضرة الإلهية الأسماء الحسنى والأوصاف العلى كيف تشاء على حسب ما تعطيه حقائقها وقد بينا هذا الفصل على الاستيفاء في كتاب إنشاء الجداول والدوائر وسنذكر من ذلك طرفاً في هذا الكتاب فهذا هو سبب الأسباب
القديم الذي لم يزل مؤلف الأمهات ومولد البنات فسبحانه سبحانه خالق الأرض والسموات "وصل" انتهى الكلام المطلوب في هذا الكتاب على الحروف من جهة المكلف والمكلفين وحظها منهم وحركتها في الأفلاك السداسية المضاعفة وعينا سنى دورتها في تلك الأفلاك وحظها من الطبيعة من حركة تلك الأفلاك ومراتبها الأربعة في المكلف والمكلفين على حسب فهم العامة ولهذا كانت أفلاك بسائطها على نوعين فالبسائط التي يقتصر بها على حقائق عامة العقلاء على أربعة حروف الحق التي عن الأفلاك السبعية وحروف الأنس عن الثمانية وحروف الملك عن التسعة وحروف الجن الناري عن العشرة وليس ثم قسم زائد عندهم لقصورهم عن إدراك مأثم لأنهم تحت قهر عقولهم والمحققون تحت قهر سيدهم الملك الحق سبحانه وتعالى.
فلهذا عندهم من الكشف ما ليس عند الغير فبسائط المحققين على ست مراتب مرتبة للمكلف الحق تعالى وهي النون وهي ثنائية فإن الحق لا نعلمه إلا منا وهو معبودنا ولا يعلم على الكمال إلا بنا فلهذا كان له النون التي هي ثنائية فإن بسائطها اثنان الواو والألف فالألف له والواو لمعناك وما في الوجود غير الله وأنت إذ أنت الخليفة ولهذا الألف عام والواو ممتزجة كما سيأتي ذكرها في هذا الباب ودورة هذا الفلك المخصوصة التي بها تقطع الفلك المحيط الكلي دورة جامعة تقطع الفلك الكلي في اثنين وثمانين ألف سنة وتقطع فلك الواو الفلك الكلي في عشرة آلاف سنة على ما نذكرها بعد في هذا الباب عند كلامنا على الحروف مفردة وحقائقها وما بقي من المراتب فعلى عدد المكلفين وأما المرتبة الثانية فهي للإنسان وهو أكمل المكلفين وجوداً وأعمه وأتمه خلقاً وأقومه ولها حرف واحد وهي الميم وهي ثلاثية وذلك أن بسائطها ثلاثة الياء والألف والهمزة وسيأتي ذكرها في داخل الباب إن شاء الله وأما المرتبة الثالثة فهي للجن مطلقاً النوري والناري وهي رباعية ولها من الحروف الجيم والواو والكاف والقاف وسيأتي ذكرها وأما المرتبة الرابعة فهي للبهائم وهي خماسية لها من الحروف الدال اليابسة والزاي والصاد اليابسة والعين اليابسة والضاد المعجمة والسين الياسبة والذال المعجمة والغين والشين المعجمتان وسيأتي ذكرها إن شاء الله وأما المرتبة الخامسة فهي للنبات وهي سداسية لها من الحروف الألف والهاء واللام وسيأتي ذكرها إن شاء الله وأما المرتبة السادسة فهي للجماد وهي سباعية لها من الحروف الباء والحاء والطاء والياء والفاء والراء والتاء والثاء والخاء والظاء وسيأتي ذكرها إن شاء الله والغرض في هذا الكتاب إظهار لمع ولوائح إشارات من أسرار الوجود ولو فتحنا الكلام على سرائر هذه الحروف وما تقتضيه حقائقها لكلت اليمين وحفي القلم وجف المداد وضاقت القراطيس والألواح ولو كان الرق المنشور فإنها من الكلمات التي قال الله تعالى فيها "لو كان البحر مداداً" وقال "ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله" وهنا سر وإشارة عجيبة لمن تفطن لها وعثر على هذه الكلمات فلو كانت هذه العلوم نتيجة عن فكر ونظر لانحصر الإنسان في أقرب مدة ولكنها موارد الحق تعالى تتوالى على قلب العبد وأرواحه البررة تنزل عليهم من عالم غيبه برحمته التي من عنده وعلمه الذي من لدنه والحق تعالى وهاب على الدوام فياض على الاستمرار والمحل قابل على الدوام فإما يقبل الجهل وإما يقبل العلم فإن استعد وتهيأ وصفى مرآة قلبه وجلاها حصل له الوهب على الدوام ويحصل له في اللحظة ما لا يقدر على تقييده في أزمنة لاتساع ذلك الفلك المعقول وضيق هذا الفلك المحسوس فكيف ينقضي ما لا يتصور له نهاية ولا غاية يقف عندها وقد صرح بذلك في أمره لرسوله عليه السلام وقل رب زدني علماً والمراد بهذه الزيادة من العلم المتعلق بالإله ليزيد معرفة بتوحيد الكثرة فتزيد رغبته في تحميده فيزاد فضلاً على تحميده دون انتهاء ولا انقطاع فطلب منه الزيادة وقد حصل من العلوم والأسرار ما لم يبلغه أحد ومما يؤيد ما ذكرناه من أنه أمر بالزيادة من علم التوحيد لا من غيره أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا أكل طعاماً قال اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيراً منه وإذا شرب لبناً قال اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه لأنه أمر بطلب الزيادة فكان يتذكر عند ما يرى اللبن اللبن الذي شربه ليلة الإسراء فقال له جبريل أصبت الفطرة أصاب الله بك أمتك والفطرة علم التوحيد التي فطر الله الخلق عليها حين أشهدهم حين قبضهم من ظهورهم ألست بربكم قالوا بلى فشاهدوا الربوبية قبل كل شيء ولهذا تأول صلى الله عليه وسلم اللبن لما شربه في النوم وناول فضله عمر قيل ما أولته يا رسول الله قال العلم فلولا حقيقة مناسبة بين العلم واللبن جامعة ما ظهر بصورته في عالم الخيال عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله.
فمن كان يأخذ عن الله لا عن نفسه كيف ينتهي كلامه أبداً فشتان بين مؤلف يقول حدثني فلان رحمه الله عن فلان رحمه الله وبين من يقول حدثني قلبي عن ربي وإن كان هذا رفيع القدر فشتان بينه وبين من يقول حدثني ربي عن ربي أي حدثني ربي عن نفسه وفيه إشارة الأول الرب المعتقد والثاني الرب الذي لا يتقيد فهو بواسطة لا بواسطة وهذا هو العلم الذي يحصل للقلب من المشاهدة لاذاتية التي منها يفرض على السر والروح والنفس فمن كان هذا مشربه كيف يعرف مذهبه فلا تعرفه حتى تعرف الله وهو لا يعرف تعالى من جميع وجوه المعرفة كذلك هذا لا يعرف فإن العقل لا يدري أين هو فإن مطلبه الأكوان ولا كون لهذا كما قيل: ظهرت لما أبقيت بعد فنائه فكان بلا كون لأنك كنته
فالحمد لله الذي جعلني من أهل الإلقاء والتلقي فنسأله سبحانه أن يجعلنا وإياكم من أهل التداني والترقي ثم ارجع وأقول أن فصول حروف المعجم تزيد على أكثر من خمسمائة فصل وفي كل فصل مراتب كثيرة فتركنا الكلام عليها حتى نستوفيه في كتاب المبادي والغايات إن شاء الله ولنقتصر منها على ما لا بد من ذكره بعد ما نسمي من مراتبها ما يليق بكتابنا هذا وربما نتكلم على بعضها وبعد ذلك نأخذها حرفاً حرفاً حتى تكمل الحروف كلها إن شاء الله ثم نتبعها بإشارات من أسرار تعانق اللام بالألف ولزومه إياه وما السبب لهذا التعشق الروحاني بينهما خاصة حتى ظهر ذلك في عالم الكتابة والرقم فإن في ارتباط اللام بالألف سراً لا ينكشف إلا لمن أقام الألف من رقدتها وحل اللام من عقدتها والله يرشدنا وإياكم لعمل صالح يرضاه منا انتهى الجزء الرابع والحمد لله
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر بعض مراتب الحروف
اعلم وفقنا الله وإياكم أن الحروف أمة من الأمم مخاطبون ومكلفون وفيهم رسل من جنسهم ولهم أسماء من حيث هم ولا يعرف هذا إلا أهل الكشف من طريقنا وعالم الحروف أفصح العالم لساناً وأوضحه بياناً وهم على أقسام كأقسام العالم المعروف في العرف فمنهم عالم الجبروت عند أبي طالب المكي ونسميه نحن عالم العظمة وهو الهاء والهمزة ومنهم العالم الأعلى وهو عالم الملكوت وهو الحاء والخاء والعين والغين ومنهم العالم الوسط وهو عالم الجبروت عندنا وعند أكثر أصحابنا وهو التاء والثاء والجيم والدال والذال والراء والزاي والظاء والكاف واللام والنون والصاد والضاد والقاف والسين والشين والياء الصحيحة ومنهم العالم الأسفل وهو عالم الملك والشهادة وهو الباء والميم والواو الصحيحة ومنهم العالم الممتزج بين عالم الشهادة والعالم الوسط وهو الفاء ومنهم عالم الامتزاج بين عالم الجبروت الوسط وبين عالم الملكوت وهو الكاف والقاف وهو امتزاج المرتبة ويمازجهم في الصفة الروحانية الطاء والظاء والصاد والضاد ومنهم عالم الامتزاج بين عالم الجبروت الأعظم وبين الملكوت وهو الحاء المهملة ومنهم العالم الذي يشبه العالم منا الذين لا يتصفون بالدخول فينا ولا بالخروج عنا وهو الألف والياء والواو المعتلتان فهؤلاء عوالم ولكل عالم رسول من جنسهم ولهم شريعة تعبدوا بها ولهم لطائف وكثائف وعليهم من الخطاب الأمر ليس عندهم نهي وفيهم عامة وخاصة وخاصة الخاصة وصفا خلاصة خاصة الخاصة فالعامة منهم الجيم والضاد والخاء والدال والغين والشين ومنهم خاصة الخاصة وهو الألف والياء والباء والسين والكاف والطاء والقاف والتاء والواو والصاد والحاء والنون واللام والغين ومنهم خلاصة خاصة الخاصة وهو الباء ومنهم الخاصة التي فوق العامة بدرجة وهو حروف أوائل السور مثل الم والمص وهي أربعة عشر حرفاً الألف واللام والميم والصاد والراء والكاف والهاء والياء والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون ومنهم حروف صفاء خلاصة خاصة الخاصة وهو النون والميم والراء والباء والدال والزاي والألف والطاء والياء والواو والهاء والظاء والثاء واللام والفاء والسين ومنهم العالم المرسل وهو الجيم والحاء والخاء والكاف ومنهم العالم الذي تعلق بالله وتعلق به الخلق وهو الألف والدال والذال والراء والزاي والواو وهو عالم التقديس من الحروف الكروبيين ومنهم العالم الذي غلب عليه التخلق بأوصاف الحق وهو التاء والثاء والحاء والذال والزاي والظاء المعجمة والنون والضاد المعجمة والغين المعجمة والقاف والشين المعجمة والفاء عند أهل الأنوار ومنهم العالم الذي قد غلب عليهم التحقق وهو الباء والفاء عند أهل الأسرار والجيم ومنهم العالم الذي قد تحقق بمقام الاتحاد وهو الألف والحاء والدال والراء والطاء اليابسة والكاف واللام والميم والصاد اليابسة والعين والسين اليابستان والهاء والواو إلا أني أقول إنهم على مقامين في الاتحاد عال وأعلى فالعالي الألف والكاف والميم والعين والسين والأعلى ما بقي.
ومنهم العالم الممتزج الطبائع وهو الجيم والهاء والياء واللام والفاء والقاف والخاء والظاء خاصة وأجناس عوالم الحروف أربعة جنس مفرد وهو الألف والكاف واللام والميم والهاء والنون والواو وجنس ثنائي مثل الدال والذال وجنس ثلاثي مثل الجيم والحاء والخاء وجنس رباعي وهو الباء والتاء والثاء والياء في وسط الكلمة والنون كذلك فهو خماسي بهذا الاعتبار وإن لم تعتبرهما فتكون الباء والتاء والثاء من الجنس الثلاثي ويسقط الجنس الرباعي فبهذا قد قصصنا عليك من عالم الحروف ما إن استعملت نفسك في الأمور الموصلة إلى كشف العالم والاطلاع على حقائقه وتحقق قوله تعالى "وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم" فلو كان تسبيح حال كما يزعم بعض علماء النظر لم تكن فائدة في قوله ولكن لا تفقهون وصلت إليها ووقفت عليها وكنت قد ذكرت أنه ربما أتكلم على بعضها فنظرت في هؤلاء العالم ما يمكن فيه بسط الكلام أكثر من غيره فوجدناه العالم المختص وهو عالم أوائل السور المجهولة مثل الم البقرة والمص والر يونس وأخواتها فلنتكلم على الم البقرة التي هي أول سورة مبهمة في القرآن كلاماً مختصراً من طريق الأسرار وربما الحق بذلك الآيات التي تليها وإن كان ذلك ليس من الباب ولكن فعلته عن أمر ربي الذي عهدته فلا أتكلم إلا على طريق الأذن كما أني سأقف عندما يحد لي فإن تأليفنا هذا وغيره لا يجري مجرى التواليف ولا نجري نحن فيه مجرى المؤلفين فإن كل مؤلف إنما هو تحت اختياره وإن كان مجبوراً في اختياره أو تحت العلم الذي يبثه خاصة فيلقى ما يشاء ويمسك ما يشاء أو يلقي ما يعطيه العلم وتحكم عليه المسئلة التي هو بصددها حتى تبرز حقيقتها ونحن في تواليفنا لسنا كذلك إنما هي قلوب عاكفة على باب الحضرة الإلهية مراقبة لما ينفتح له الباب فقيرة خالية من كل علم لو سئلت في ذلك المقام عن شيء ما سمعت لفقدها إحساسها فمهما برز لها من وراء ذلك الستر أمر ما بادرت لامتثاله وألفته على حسب ما يحد لها في الأمر فقد يلقى الشيء إلى ما ليس من جنسه في العادة والنظر الفكري وما يعطيه العلم الظاهر والمناسبة الظاهرة للعلماء لمناسبة خفية لا يشعر بها إلا أهل الكشف بل ثم ما هو أغرب عندنا إنه يلقى إلى هذا القلب أشياء يؤمر بإيصالها وهو لا يعلمها في ذلك الوقت لحكمة إلهية غابت عن الخلق فلهذا لا يتقيد كل شخص يؤلف عن الإلقاء بعلم ذلك الباب الذي يتكلم عليه ولكن يدرج فيه غيره في علم السامع العادي على حسب ما يلقي إليه ولكنه عندنا قطعاً من نفس ذلك الباب بعينه لكن بوجه لا يعرفه غيرنا مثل الحمامة والغراب اللذين اجتمعا لعرج قام بأرجلهما وقد أذن لي في تقييد ما ألقيه بعد هذا فلا بد منه "وصل" الكلام على هذه الحروف المجهولة المختصة على عدد حروفها بالتكرار وعلى عدد حروفها بغير تكرار وعلى جملتها في السور وعلى إفرادها في ص وق ون وتثنيتها في طس وطه وأخواتها وجمعها من ثلاثة فصاعدا حتى بلغت خمسة حروف متصلة ومنفصلة ولم تبلغ أكثر ولم وصل بعضها ولم كانت السور بالسين ولم تكن بالصاد ولم جهل معنى هذه الحروف عند علماء الظاهر وعند كشف أهل الأحوال إلى غير ذلك مما ذكرناه في كتاب الجمع والتفصيل في معرفة معاني التنزيل فلنقل على بركة الله والله يقول الحق وهو يهدي السبيل "اعلم" أن مبادي السور المجهولة لا يعرف حقيقتها إلا أهل الصور المعقولة ثم جعل سور القرآن بالسين وهو التعبد الشرعي وهو ظاهر السور الذي فيه العذاب وفيه يقع الجهل بها وباطنه بالصاد وهو مقام الرحمة وليس إلا العلم بحقائقها وهو التوحيد فجعلها تبارك وتعالى تسعاً وعشرين سورة وهو كمال الصورة والقمر قدرناه منازل والتاسع والعشرون القطب الذي به قوام الفلك وهو علة وجوده وهو سورة آل عمران الم الله ولولا ذلك ما ثبتت الثمانية والعشرون وجملتها على تكرار الحروف ثمانية وسبعون حرفاً فالثمانية حقيقة البضع قال عليه السلام الإيمان بضع وسبعون
وهذه الحروف ثمانية وسبعون حرفاً فلا يكمل عبد أسرار الإيمان حتى يعلم حقائق هذه الحروف في سورها "فإن قلت" إن البضع مجهول في اللسان فإنه من واحد إلى تسعة فمن أين قطعت بالثمانية عليه فإن شئت قلت لك من طريق الكشف وصلت إليه فهو الطريق الذي عليه أسلك والركن الذي إليه استند في علومي كلها وإن شئت أبديت لك منه طرفاً من باب العدد وإن كان أبو الحكم عبد السلام بن برجان لم يذكره في كتابه من هذا الباب الذي نذكره وإنما ذكره رحمه الله من جهة علم الفلك وجعله ستراً على كشفه حين قطع بفتح بيت المقدس سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة فكذلك إن شئنا نحن كشفنا وإن شئنا جعلنا العدد على ذلك حجاباً فنقول إن البضع الذي في سورة الروم ثمانية وخذ عدد حروف الم بالجزم الصغير فتكون ثمانية فتجمعها إلى ثمانية البضع فتكون ستة عشر فتزيل الواحد الذي للألف للاس فيبقى خمسة عشر فتمسكها عندك ثم ترجع إلى العمل في ذلك بالجمل الكبير وهو الجزم فتضرب ثمانية البضع في أحد وسبعين واجعل ذلك كله سنين يخرج لك في الضرب خمسمائة وثمانية وستون فتضيف إليها الخمسة عشر التي أمرتك أن ترفعها فتصير ثلاثة وثمانين وخمسمائة سنة وهو زمان فتح بيت المقدس على قراءة من قرأ غلبت الروم بفتح الغين واللام سيغلبون بضم الياء وفتح اللام وفي سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة كان ظهور المسلمين في أخذ حج الكفار وهو فتح بيت المقدس ولنا في علم العدد من طريق الكشف أسرار عجيبة من طريق ما يقتضيه طبعه ومن طريق ما له من الحقائق الإلهية وإن طال بنا العمر فسأفرد لمعرفة العدد كتاباً إن شاء الله فلنرجع إلى ما كنا بسبيله فنقول فلا يكمل عبد الأسرار التي تتضمنها شعب الإيمان إلا إذا علم حقائق هذه الحروف على حسب تكرارها في السور كما إنه إذا علمها من غير تكرار علم تنبيه الله فيها على حقيقة الإيجاد وتفرد القديم سبحانه بصفاته الأزلية فأرسلها في قرآنه أربعة عشر حرفاً مفردة مبهمة فجعل الثمانية لمعرفة الذات والسبع الصفات منا وجعل الأربعة للطبائع المؤلفة التي هي الدم والسوداء والصفراء والبلغم فجاءت اثنتي عشرة موجودة وهذا هو الإنسان من هذا الفلك ومن فلك آخر يتركب من أحد عشر ومن عشرة ومن تسعة ومن ثمانية حتى إلى فلك الاثنين ولا يتحلل إلى الأحدية أبداً فإنها مما انفرد بها الحق فلا تكون لموجود الإله ثم إنه سبحانه جعل أولها الألف في الخط والهمزة في اللفظ وآخرها النون فالألف لوجود الذات على كمالها لأنها غير مفتقرة إلى حركة والنون لوجود الشطر من العالم وهو عالم التركيب وذلك نصف الدائرة الظاهرة لنا من الفلك والنصف الآخر النون المعقولة عليها التي لو ظهرت للحس وانتقلت من عالم الروح لكانت دائرة محيطة ولكن أخفى هذه النون الروحانية الذي بها كمال الوجود وجعلت نقطة النون المحسوسة دالة عليها فالألف كاملة من جميع وجوهها والنون ناقصة فالشمس كاملة والقمر ناقص لأنه محو فصفة ضوئه معارة وهي الأمانة التي حملها وعلى قدر محوه وسراره إثباته وظهوره ثلاثة لثلاثة فثلاثة غروب القمر القلبي الإلهي في الحضرة الأحدية وثلاثة طلوع قمر القلب الإلهي في الحضرة الربانية وما بينهما في الخروج والرجوع قدماً بقدم لا يختل أبداً ثم جعل سبحانه هذه الحروف على مراتب منها موصول ومنها مقطوع ومنها مفرد ومثنى ومجموع ثم نبه أن في كل وصل قطعاً وليس في كل قطع وصل فكل وصل يدل على فصل وليس كل فصل يدل على وصل فالوصل والفصل في الجمع وغير الجمع والفصل وحده في عين الفرق فما أفرده من هذه فإشارة إلى فناء رسم العبد أزلا وما ثناه فإشارة إلى وجود رسم العبودية حالاً وما جمعه فإشارة إلى الأبد بالموارد التي لا تناهى فالأفراد للبحر الأزلي والجمع للبحر الأبدي والمثنى للبرزخ المحمدي الإنسان مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان فبأي آلاء ربكما تكذبان هل بالبحر الذي أوصله به فأفناه عن الأعيان أو بالبحر الذي فصله عنه وسماه بالأكوان أو بلبرزخ الذي استوى عليه الرحمن فبأي آلاء ربكما تكذبان يخرج من بحر الأزل اللؤلؤ ومن بحر الأبد المرجان فبأي آلاء ربكما تكذبان وله الجواري الروحانية المنشآت من الحقائق الأسمائية في البحر الذاتي الأقدسي كالأعلام فبأي آلاء ربكما تكذبان يسأله العالم العلوي على علوه وقدسه والعالم السفلي على نزوله
قال تعالى "خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين" و نزول الألف إلى السطر مثل قوله ينزل ربنا إلى السماء الدنيا وهو أول عالم التركيب لأنه سماء آدم عليه السلام ويليه فلك النار فلذلك نزل إلى أول السطر فإنه نزل من مقام الأحدية إلى مقام إيجاد الخليقة نزول تقديس وتنزيه لا نزول تمثيل وتشبيه وكانت اللام واسطة وهي نائبة مناب المكون والكون فهي القدرة التي عنها وجد العالم فأشبهت الألف في النزول إلى أول السطر ولما كانت ممتزجة من المكون والكون فإنه لا يتصف بالقدرة على نفسه وإنما هو قادر على خلقه فكان وجه القدرة مصروفاً إلى الخلق ولهذا لا يثبت للخالق إلا بالخلق فلابد من تعلقها بهم علواً وسفلاً ولما كانت حقيقتها لا تتم بالوصول إلى السطر فتكون والألف على مرتبة واحدة طلبت بحقيقتها النزول تحت السطر أو على السطر كما نزل الميم فنزلت إلى إيجاد الميم ولم يتمكن أن تنزل على صورة الميم فكان لا يوجد عنها أبداً إلا الميم فنزلت نصف دائرة حتى بلغت إلى السطر من غير الجهة التي نزلت منها فصارت نصف فلك محسوس يطلب نصف فلك معقول فكان منهما فلك دائر فتكون العالم كله من أوله إلى آخره في ستة أيام أجناساً من أول يوم الأحد إلى آخر يوم الجمعة وبقي يوم السبت للانتقالات من حال إلى حال ومن مقام إلى مقام والاستحالات من كون إلى كون ثابت على ذلك لا يزول ولا يتغير ولذلك كان الوالي على هذا اليوم البرد واليبس وهو من الكواكب زحل فصار الم وحده فلكاً محيطاً من دار به علم الذات والصفات والأفعال والمفعولات فمن قرأ الم بهذه الحقيقة والكشف حضر بالكل للكل مع الكل فلا يبقى شيء في ذلك الوقت إلا يشهده لكن منه ما يعلم ومنه ما لا يعلم فتنزه الألف عن قيام الحركات بها يدل أن الصفات لا تعقل إلا بالأفعال كما قال عليه السلام كان الله ولا شيء معه وهو على ما عليه كان فلهذا صرفنا الأمر إلى ما يعقل لا إلى ذاته المنزهة فإن الإضافة لا تعقل أبداً إلا بالمتضايفين فإن الأبوة لا تعقل إلا بالأب والابن وجوداً وتقديراً وكذلك المالك والخالق والبارئ والمصور وجميع الأسماء التي تطلب العالم بحقائقها وموضع التنبيه من حروف الم عليها في اتصال اللام الذي هو الصفة بالميم الذي هو أثرها وفعلها فالألف ذات واحدة لا يصح فيها اتصال شيء من الحروف إذا وقعت أولاً في الخط فهي الصراط المستقيم الذي سألته النفس في قولها اهدنا الصراط المستقيم صراط التنزيه والتوحيد فلما أمن على دعائها ربها الذي هو الكلمة الذي أمرت بالرجوع إليه في سورة الفجر قبل تعالى تأمينه على دعائها فأظهر الألف من الم عقيب ولا الضالين وأخفى آمين لأنه غيب من عالم الملكوت من وافق تأمينه تأمين الملائكة في الغيب المتحقق الذي يسمونه العامة من الفقهاء الإخلاص وتسميه الصوفية الحضور وتسميه المحققون الهمة ونسميه أنا وأمثالنا العناية لوما كانت الألف متحدة في عالم الملكوت والشهادة ظهرت فوقع الفرق بين القديم والمحدث فانظر فيما سطرناه تر عجباً ومما يؤيد ما ذكرناه من وجود الصفة المد الموجود في اللام والميم دون الألف فإن قال صوفي وجدنا الألف مخطوطة والنطق بالهمزة دون الألف فلم لا ينطق بالألف فنقول وهذا أيضاً مما يعضد ما قلناه فإن الألف لا تقبل الحركة فإن الحرف مجهول ما لم يحرك فإذا حرك ميز بالحركة التي تتعلق به من رفع ونصب وخفض والذات لا تعلم أبداً على ما هي عليه فالألف الدال عليها الذي هو في عالم الحروف خليفة كالإنسان في العالم مجهول أيضاً كالذات لا تقبل الحركة فلما لم تقبلها لم يبق إلا أن تعرف من جهة سلب الأوصاف عنها ولما لم يمكن النطق بساكن نطقنا باسم الألف بالألف فنطقنا بالهمزة بحركة الفتحة فقامت الهمزة مقام المبدع الأول وحركتها صفته العلمية ومحل إيجاده في اتصال الكاف بالنون فإن قيل وجدنا الألف التي في اللام منطوقاً بها ولم نجدها في الألف قلنا صدقت لا يقع النطق بها إلا بمتحرك مشبع التحرك قبلها موصولة به وإنما كلامنا في الألف المقطوعة التي لا يشبع الحرف الذي قبلها حركته فلا يظهر في النطق وإن رقمت مثل ألف إنما المؤمنون فهذان ألفان بين ميم إنما وبين لام المؤمنين موجودتان خطاً غير ملفوظ بهما نطقاً وإنما الألف الموصولة التي تقع بعد الحرف مثل لام هاء حاء وشبهها فإنه لولا وجودها ما كان المد لواحد من هذه الحروف فمدها هو سر الاستمداد الذي وقع به إيجاد الصفات في محل الحروف ولهذا لا يكون المد إلا بالوصل فإذا وصل الحرف بالألف من اسمه الآخر امتد الألف بوجود الحرف الموصول به ولما وجد الحرف الموصول به افتقر إلى الصفة الرحمانية فأعطى حركة الفتح التي هي الفتحة فلما أعطيها طلب منه الشكر عليها فقال وكيف يكون الشكر عليها قيل له أن تعلم السامعين بأن وجودك ووجود صفاتك لم يكن بنفسك وإنما كان من ذات القديم تعالى فاذكره عند ذكرك نفسك فقد جعلك بصفة الرحمة خاصة دليلاً عليه ولهذا قال إن الله خلق آدم على صورة الرحمن فنطقت بالثناء على موجدها فقالت لام ياء هاء حاء طاء فأظهرت نطقاً ما خفي خطاً لأن الألف التي في طه وحم وطس موجودة نطقاً خفيت خطاً لدلالة الصفة عليها وهي الفتحة صفة افتتاح الوجود فإن قال وكذلك نجد المد في الواو المضموم ما قبلها والياء المكسور ما قبلها فهي أيضاً ثلاث ذوات فكيف يكون هذا وما ثم الا ذات واحدة فنقول نعم أما المد الموجود في الواو المضموم ما قبلها في مثل ن والقلم والياء المكسور ما قبلها مثل الياء من طس وياء الميم من حم فمن حيث أن الله تعالى جعلهما حرفي علة وكل علة تستدعي معلولها بحقيقتها وإذا استدعت ذلك فلابد من سر بينهما يقع به الاستمداد والإمداد فلهذا أعطيت المد وذلك لما أودع الرسول الملكي الوحي لو لم يكن بينه وبين الملقى إليه نسبة ما ما قبل شيأ لكنه خفي عنه ذلك فلما حصل له الوحي ومقامه الواو لأنه روحاني علوي والرفع يعطي العلو وهو باب الواو المعتلة فعبرنا عنه بالرسول الملكي الروحاني جبريل كان أو غيره من الملائكة ولما أودع الرسول البشري ما أودع من أسرار التوحيد والشرائع أعطى من الاستمداد والإمداد الذي يمد به عالم التركيب وخفي عنه سر الاستمداد ولذلك قال ما أدري ما يفعل بي ولا بكم وقال إنما أنا بشر مثلكم ولما كان موجوداً في العالم السفليّ عالم الجسم والتركيب أعطيناه الياء المكسور ما قبلها المعتلة وهي من حروف الخفض فلما كانا علتين لوجود الأسرار الإلهية من توحيد وشرع وهبا سر الاستمداد فلذلك مدتا وأما الفرق الذي بينهما وبين الألف فإن الواو والياء قد يسلبان عن هذا المقام فيحركان بجميع الحركات كقوله ووجدك وتؤوي وولوا الأدبار ينأون يغنيه إنك ميت وقد يسكنان بالسكون الحي كقوله وما هو بميت وينأون وشبههما والألف لا تحرك أبداً ولا يوجد ما قبلها أبداً إلا مفتوحاً فإذن فلا نسبة بين الألف وبين الواو والياء فمهما حركت الواو والياء فإن ذلك مقامها ومن صفاتها ومهما ألحقتا بالألف في العلية فذلك ليس من ذاتها وإنما ذلك من جانب القديم سبحانه لا يحتمل الحركة ولا يقبلها ولكن ذلك من صفة المقام وحقيقته الذي نزلت به الواو والياء فمدلول الألف قديم والواو والياء محركتان كانتا أولا محركتان فهما حادثان فإذا ثبت هذا فكل ألف أو واو أو ياء ارتقمت أو حصل النطق بها فإنما هي دليل وكل دليل محدث يستدعي محدثاً والمحدث لا يحصره الرقم ولا النطق إنما هو غيب ظاهر وكذلك يس ون فنجده نطقاً وهو ظهوره ولا نجده رقماً وهو غيبه وهذا سبب حصول العلم بوجود الخالق لا بذاته وبوجود ليس كمثله شيء لا بذاته واعلم أيها المتلقي أنه كل ما دخل تحت الحصر فهو مبدع أو مخلوق وهو محلك فلا تطلب الحق لا من داخل ولا من خارج إذ الدخول والخروج من صفات الحدوث فانظر الكل في الكل تجد الكل فالعرش مجموع والكرسي مفروق
على ما عليه كان فاندرج في الحديث ما لم يقله صلى الله عليه وسلم ومقصودهم أي الصفة التي وجبت له قبل وجود العالم هو عليها والعالم موجود وهكذا هي الحقائق عند من أراد أن يقف عليها فالتذكير في الأصل وهو آدم قوله ذلك والتأنيث في الفرع وهو حواء قوله تلك وقد أشبعنا القول في هذا الفصل في كتاب الجمع والتفصيل الذي صنفناه في معرفة أسرار التنزيل فآدم لجميع الصفات وحوّاء لتفريق الذوات أذهى محل الفعل والبذر وكذلك الآيات محل الأحكام والقضايا وقد جمع الله تعالى معنى ذلك وتلك في قوله تعالى "وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب" فحروف الم رقماً ثلاثة وهو جماع عالمها فإن فيها الهمزة وهي من العالم الأعلى واللام وهي من العالم الوسط والميم وهي من العالم الأسفل فقد جمع الم البرزخ والدارين والرابط والحقيقتين وهي على النصف من حروف لفظه من غير تكرار وعلى الثلاث بغير تكرار وكل واحد منهما ثلث كل ثلاث وهذه كلها أسرار تتبعناها في كتاب المبادي والغايات وفي كتاب الجمع والتفصيل فليكف هذا القدر من الكلام على الم البقرة في هذا الباب بعد ما رغبنا في ترك تقييد ما تجلى لنا في الكتاب والكاتب فلقد تجلت لنا فيه أمور جسام مهولة رمينا الكراسة من أيدينا عند تجليها وفررنا إلى العالم حتى خف عنا ذلك وحينئذ رجعنا إلى التقييد في اليوم الثاني من ذلك التجلي وقبلت الرغبة فيه وأمسك علينا ورجعنا إلى الكلام على الحروف حرفاً حرفاً كما شرطناه أولاً في هذا الباب رغبة في الإيجاز والاختصار والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى الجزء الخامس والحمد لله رب العالمين.